الملحق الثاني – منظمة النجادة الفلسطينية

فهرس الملحق عن منظمة النجادة الفلسطينية

المقدمة _______________________________________ 539

تأسيس منظمة النجادة_______________________________ 541

نجادة يافا الأوائل__________________________________ 543

التدريب العسكري_________________________________ 543

تعرف نجادة يافا على النجادة اللبنانية ورحلتهم إلى لبنان__________ 544

استقلال النجادة عن النادي الرياضي الإسلامي بيافا_____________ 545

فتيان النجادة_____________________________________ 547

مهرجان اعلان تأسيس النجادة__________________________ 548

التعاون بين النجادة والاتحاد الرياضي الفلسطيني______________ 548

انتشار حركة النجادة في فلسطين________________________ 549

أهداف منظمة النجادة وشعاراتها وأنظمتها__________________ 554

نشيد النجادة_____________________________________ 557

أنشطة النجادة____________________________________ 558

تأسيس منظمة الفتوة________________________________ 560

التناحر بين النجادة والفتوة____________________________ 561

نشوء منظمة الشباب ثم زوالها_________________________ 564

كلمة أخيرة_____________________________________ 565

كلمة عن محمد نمر الهواري، قائد منظمة النجادة_____________ 566

ملحق عن منظمة النجادة الفلسطينية

مقدمــــة

وبعد، فقد رأيت أنه من المناسب أن أنشر في كتابي هذا معلوماتي الشخصية عن منظمة النجادة الفلسطينية التي تأسست في مدينة يافا عام 1944 وكانت أول منظمة شبه عسكرية أقامها الشعب الفلسطيني في مواجهة المنظمات الصهيونية التي كانت في فلسطين في الأربعينات من القرن الماضي كمنظمة الهاجانا وغيرها. وأنا أقدم للقارئ الكريم هذه المعلومات لأن القصة الكاملة لظهور النجادة تم اختفاؤها لم تنشر من قبل. وهذه المعلومات أسردها الآن من الذاكرة مستعيناً بقصاصات احتفظت بها عن الموضوع. فقد كنت من النجادة الأوائل وكنت مسؤولاً اعلامياً في المنظمة عند تأسيسها وكنت عريف حفل إعلان تأسيس تلك المنظمة الذي أقيم في ملعب النصة في يافا في ربيع عام 1945. وقد أشار إلى ذلك أحمد الشقيري في كتابه “أربعون عاماً في الحياة العربية والدولية”. ولا بد لي أن أذكر هنا أنني اعتمدت في روايتي أيضا على المعلومات التي زودني بها صديقي رشاد محمد عرفة وهو الذي كان من مؤسسي منظمة النجادة وأمين صندوقها العام، فضلاً عن كونه آمر منطقة يافا في تلك المنظمة.

هذا وكنت اطلعت على البحث القيم عن النجادة الذي أعدته مؤرختنا الكبيرة الدكتورة بيان نويهض الحوت والذي نشر في كتابها “القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين” والذي صدر عام 1981 في بيروت، وقد تضمن ذلك البحث ولحسن الحظ نصوص معظم الوثائق عن النجادة والتي كانت محفوظة في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت ولولا الدكتورة الحوت لما رأت تلك الوثائق النور حيث أن مركز الأبحاث نهبته القوات الصهيونية عند غزوها بيروت عام 1982 وتم عندئذ نقل جميع محتوياته إلى تل أبيب. وسيلحظ القارئ الكريم أن ما أكتبه عن النجادة هو إضافة نوعية إلى البحث الذي نشرته الدكتورة الحوت، وبذلك سيشكل هذان البحثان مجتمعين مرجعا جيداً أرى أنه يمكن الاعتماد عليه في التعريف بحركة النجادة ومعرفة أسباب فشل تلك المحاولة الفلسطينية الرائدة خصوصاً وأن ما كتب عنها في الموسوعة الفلسطينية كان مع الأسف أقل من القليل. 

والله ولي التوفيق.

خيري الدين أبو الجبين

تأسيس النجادة

كانت الثورة الفلسطينية الكبرى (36-39) قد توقفت في خريف عام 1939 عند بداية الحرب العالمية الثانية اعتمادا على نصيحة الملوك والرؤساء العرب للشعب الفلسطيني بوقف الثورة لأن “صديقتهم” بريطانيا العظمى وعدتهم بأنها ستقوم بتنفيذ الكتاب الأبيض وترضي عرب فلسطين عند انتهاء الحرب.

هذا ولم تنقطع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين خلال الحرب بل إن المنظمات الصهيونية في أواسط الأربعينات أعلنت الثورة على حكومة الانتداب لإجبارها على الانسحاب من فلسطين وتغيير موقفها لصالح الحركة الصهيونية.

لكل ذلك وجد الشباب الفلسطيني آنذاك ضالتهم في إنشاء منظمة النجادة لتحقيق أهدافهم في إعداد الشعب لمواجهة نشاط تلك المنظمات وازدياد الهجرة خصوصا وأن النشاط الحزبي الفلسطيني كان متوقفا نسبيا خلال سنوات الحرب، واقتصر العمل الفلسطيني خلالها على النشاط الإعلامي والدبلوماسي لنصرة القضية الفلسطينية.

وسط تلك الأجواء، اتخذ مجلس ادارة النادي الرياضي الإسلامي بيافا في ربيع عام 1944 قرارا بتأليف فرقة رياضية في النادي على غرار منظمة النجادة اللبنانية وكان ذلك النادي من أكبر وأقدم أندية فلسطين فضلا عن أنه كان مركزا للاتحاد الرياضي الفلسطيني الذي كان يضم معظم أندية فلسطين العربية.

وكل ذلك أهّل النادي المذكور لنشر فكرة إنشاء منظمة النجادة ولم تمض إلا شهور قليلة بعد ذلك حتى انتشرت تلك الفكرة في فلسطين انتشار النار في الهشيم نظرا لحاجة الشعب الفلسطيني إلى مثل تلك المنظمة.

النجـادة فـي يافـا

وانتقلت فكرة إنشاء تلك المنظمة إلى حيز التنفيذ حين أسند مجلس الادارة إلى لجنة ثلاثية من أعضائه مسؤولية المتابعة والتنفيذ وتألفت اللجنة من رشاد الدباغ ورشاد عرفة وعبد السلام الدجاني. وأفرد المجلس للنجادة غرفة مستقلة في مقر النادي الكائن في شارع جمال باشا بيافا. وفي البداية وحسب القرار المذكور كان لابد لمن يريد أن يكون نجادا أن يكون أصلا عضوا في النادي وإن لم يكن من الأعضاء فعليه أن ينتسب أولا للنادي ويقبل فيه ثم يلتحق بالنجادة.

وفي البداية انتسب لفرقة النجادة 24 شخصا من أعضاء النادي كما تقدم الكثيرون من الخارج بطلبات الانتساب للنادي من أجل أن يصبحوا بعد ذلك أعضاء في فرقة النجادة. وكان من بين هؤلاء المحامي محمد نمر الهواري والذي أصبح فيما بعد القائد العام للنجادة وهذا يعني أن الهواري لم يكن مؤسس منظمة النجادة الفلسطينية كما ذكرت بعض المصادر.

النجادة الأوائل

وفيما يلي أسماء النجادة الأوائل من أعضاء النادي الرياضي الإسلامي بيافا وهم:

رشـاد الدباغ، رشاد عرفة، عبد السلام الدجاني، خيري الدين أبو الجبين، فوزي الشنطي، عبد الفتاح الدجاني، علي الشريانـي، محمد سمارة، عمـر الطيبي، عوني شهاب الدين، صالح عطية، يعقوب أبو غزالة، محروس السقا، عمر القطان، محمد الفرا، جميل الحسني، ابراهيم سكجها، موسى سرحان، صدقي سرحان، عمر عبد الرحيم، أنيس أبو خليفة، صلاح الحاج مير ومحمد علي الهباب.

التدريب العسكري

تولى تدريب نجادة النادي الإسلامي في البداية صلاح الحاج منير والذي كان في السابق ضابطا متطوعا في الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان التدريب يتم في البداية في المساء على سطح عمارة النادي وكان التدريب أولا عبارة عن تمرينات لياقة بدنية وتدريب على المشي العسكري ثم تطور بعد ذلك إلى تدريب على فك وتركيب الأسلحة الخفيفة ثم إلى تدريب فعلي على السلاح. وقد تدرب النجادة الأوائل على الرماية أيضاً في قرية عرب أبو كشك قرب يافا.

هذا واستمر تدريب النجادة بعد تطورها وكان التدريب على الأسلحة يتم غالبا في القرى المجاورة ليافا … وكما سنذكر فيما بعد قام أفراد فرق النجادة الأخرى في فلسطين بالتدرب على السلاح كل في موقعه وأصبح بشير القيشاوي هو المدرب العام للنجادة كما كان لكل فرقة نجادة مدرب محلي أو أكثر خاص بها. ولكن المشكلة كانت دائما هي نقص السلاح في كل مكان وما توفر منه كان قديما من مخلفات الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو ما بينهما.

الاستعراض الأول لنجادة يافا

وفي أول أيام عيدا لفطر في عام 1944 جرى أول استعراض محلي للنجادة في يافا حيث قام نجادة النادي الرياضي الإسلامي باستعراض كبير في شوارع المدينة استمر ساعتين وكانوا يرتدون زي النجادة شبه العسكري وقد قوبلوا من الجمهور بالترحاب ولفتوا الأنظار إليهم وبعدها زاد الإقبال على الانتساب للنجادة من داخل النادي وخارجه.

رحلة النجادة إلى لبنان

وبعد الاستعراض الذي أقامته فرقة النجادة في يافا، قامت الفرقة برحلة إلى لبنان للتعرف على النجادة اللبنانية وأنظمتها وقادتها. واشترك في تلك الرحلة معظم النجادة الأوائل الذين بدأوا رحلتهم ببيروت حيث استقبلهم هناك عدنان الحكيم قائد لواء بيروت وأقاموا بضعة أيام في مقر النجادة اللبنانية وهناك تعرفوا على أنيس الصغير القائد العام وشفيق النقاش السكرتير العام، وكذلك السيدين الحبال والبري وكانا من مسؤولي نجادة بيروت. وأثناء إقامتهم تدارس نجادة يافا مع نجادة بيروت كافة أنظمة النجادة اللبنانية وقوانينها كما تعرفوا على أنشطة نجادة لبنان وتعلموا نشيد النجادة اللبنانية وهو “نجاد يا وجه العلا …”

وبعد ذلك قاموا بالاشتراك مع نجادة بيروت بزيارة قرية شحيم في جنوب لبنان وهناك أجروا معهم استعراضا مشتركا وكان ذلك في أول أيام عيد الأضحى ثم قاموا بجولة في قرى الجنوب اللبنانية، وبعدها عادوا إلى فلسطين وهم في غاية الحماس والرغبة في توسيع حركة النجادة ونشرها في كافة أنحاء البلاد من أجل تحقيق أهدافها في حماية الوطن من الهجمة الصهيونية.

استقلال النجادة عن النادي الإسلامي

وفي آخر عام 1944 وبعد أن ازداد عدد أعضاء فرقة النجادة في النادي رأى مجلس الادارة أن تستقل النجادة عن النادي الإسلامي وتتخذ لها مقرا جديدا وكان ذلك ممكنا لأن رسوم الانتساب والاشتراكات زادت نظراً لازدياد عدد أفراد النجادة فأمكن استئجار طابق في عمارة ضخمة لتكون المقر الجديد للنجادة. وتقع تلك العمارة بقرب محطة القطار في يافا وهي مملوكة لعائلة بيبي اليافية.

الادارة الجديدة للنجادة

وبعد استقلال النجادة عن النادي الإسلامي زاد نشاط منظمة النجادة وتوالى انتساب أعضاء جدد إليها وكان من بينهم عبد الغني الهباب الذي أصبح فيما بعد قائدا لمنطقة يافا وكذلك خليل الشاعر ورفيق السعيد وبشير القيشاوي الذي عمل بعد ذلك مدربا براتب 40 جنيه شهريا ثم عدنان بيبي وخميس الصعيدي الذي أصبح قائد فرقة القرب الموسيقية كما انضم لمنظمة النجادة أيضاً كاظم الحسيني وفيضي الحسيني. وبعد ذلك تم انتخاب لجنة تنفيذية للنجادة من المجلس الأعلى. وتألفت اللجنة من:

المحامي محمد نمر الهواري             قائدا عاما

رشاد درويش الدباغ                      سكرتيرا عاما

رشاد محمد عرفة                         أمينا عاما للصندوق

وضع قانون النجادة

وبعد انتخابها كلفت اللجنة رئيسها المحامي محمد نمر الهراوي باعداد مشروع قانون النجادة فقام باعداده معتمدا على قانون النجادة اللبناني ومضيفا إليه أهدافا عامة تدعو إلى التلاقي والتعارف وما إلى ذلك بحيث تخفي الهدف الرئيسي من إنشاء النجادة وهو التدريب العسكري واعداد الشباب للدفاع عن بلادهم أمام الهجمة الصهيونية الشرسة. وبعد موافقة المجلس الأعلى للنجادة على المشروع، قدم لدائرة الحاكم في يافا فوافقت عليه حكومة الانتداب وكان ذلك في آخر عام 1945.

فتيان النجادة

ومن الأعمال البارزة التي تمت في المقر الجديد، إنشاء فرقة فتيان النجـادة لتكون رافدا أساسيا للنجادة ولاستقطاب الشباب الصاعد وتدريبهم عسكريا. وقد أشار إلى ذلك صلاح خلف “أبو إياد” أحد قادة حركة فتح المولود عام 1933 في كتابه “فلسطيني بلا هوية”. وقد تألفت فرقة الفتيان آنذاك من صلاح خلف وسليم البيطار الذي كان سكرتيرا لها وشفيق الحوت ومعين خورشيد وعمر الناطور وعصام صنع الله والدكتور محمد أبو لغد وكان من الفرقة الموسيقية ومحمد توفيق الزعبلاوي الذي تميز بطول قامتـه وكلف بحمل علم الفرقة، وفاروق أبو الجبين وابراهيم عبد المالك وخالد الآغـا وشريف العلمي وخضر الآغا وسهيل عرفة وأديب قرنفلة وغازي الزبط وآخرون. هذا وكان فتيان النجادة يشتركون أيضا في الاستعراضات المحلية للنجادة وكذلك في التدريب على السلاح.

مهرجان اعلان تأسيس النجادة

بعد أن استقرت النجادة في مقرها الجديد أقامت مهرجانا كبيرا في شهر أيار (مايو) من عام 1945 أعلنت فيه رسميا عن تأسيسها وقد اشترك في ذلك الحفل جميع أعضاء نجادة يافا بملابسهم الرسمية، وأقيم الحفل في ملعب البصة وهو الملعب البلدي ليافا. وحضر ذلك الحفل جماهير كثيرة يتقدمهم رئيس بلدية يافا الدكتور يوسف هيكل وعدد من الزعماء الفلسطينيين منهم جمال الحسيني وحسين الخالدي وأحمد حلمي وأحمد الشقيري. وتحدث في الحفل جمال الحسيني رئيس الحزب العربي الفلسطيني وأحمد الشقيري وغيرهما. وقمت شخصيا بتقديم المتحدثين إلى الجمهور الحاشد حيث كنت عريف ذلك الحفل. وكان من بين الحاضرين أيضا أنيس الصغير القائد العام للنجادة اللبنانية وشفيق النقاش سكرتيرها العام. وانتشرت أخبار هذا المهرجان الضخم في كافة أنحاء فلسطين مما حدا بالعديد من أندية المدن والقرى إلى المسارعة والاتصال بقيادة النجادة في يافا من أجل تشكيل فرق مماثلة.

التعاون بين النجادة و الاتحاد الرياضي

وكان الاتحاد الرياضي الفلسطيني قد تأسس في خريف عام 1944 واتخذ من النادي الرياضي الإسلامي بيافا مركزا له. وضم الاتحاد معظم أندية فلسطين الرياضية وكان عبد الرحمن الهباب السكرتير العام لذلك الاتحاد. وكان في نفس الوقت من أعضاء مجلس ادارة النادي الرياضي الإسلامي بيافا المتحمسين لفكرة النجادة، كما أن أعضاء اللجنة المركزية لذلك الاتحاد كانوا متحمسين للفكرة أيضاً. لهذا اتخذ الاتحاد قرارا بتأييد النجادة وأصبح مكتوبا على “بطاقـة هوية” لاعبي الاتحاد أنه يمكن اعتبارهم أعضاء في الفرق الرياضية وشبه العسكريـة (النجادة) . ولما كان الاتحاد كما ذكرنا يضم معظم الأندية التي تعج بالشباب الفلسطيني فقد كان من السهل انتشار فكرة النجادة بين شباب تلك الأندية فسارعوا إلى الانضمام للنجادة الأمر الذي أدى إلى انتشار النجادة في معظم مدن وقرى فلسطين.

انتشار حركة النجادة في فلسطين

وكان النادي الرياضي الإسلامي في حيفا من أوائل الأندية التي آمنت بفكرة النجادة وضرورتها بل يمكن اعتبار يونس محمود نقاع رئيس ذلك النادي وجمال محمد الحاج خليل سكرتيره من مؤسسي النجادة في فلسطين مثلهم مثل مؤسسي النجادة في النادي الإسلامي بيافا.

وقال جمال الحاج خليل في مذكرات نشرت في صحيفة الوطن الكويتية بتوقيع الثائر الفلسطيني القديم – ابن حيفا “إن اللقاء من أجل تأسيس فرقة عسكرية فلسطينية شبيهة بالهاجاناه لمواجهة الخطر الصهيوني تم بين عدد من أعضاء النادي الإسلامي في حيفا والمسؤولين في النادي الإسلامي في يافا في حفل شاي أقيم في يافا بعد مباراة لكرة القدم جرت بين فريقي الناديين وتم في ذلك الحفل وضع اللبنة الأولى لتأسيس فرقة رياضة على غرار النجادة اللبنانية. واتفق على استئذان النجادة اللبنانية بأن يستعمل اسمها في فلسطين لهذا الغرض وهكذا كان”… انتهى

وبعد تأسيس فرقة النجادة في يافا، تم تأسيس فرع للنجادة في مدينة حيفا على غرار النجادة في يافا برئاسة يونس نقاع (أبو محمود) والذي أصبح يسمى آمر منطقة حيفا.

وقد شاركت نجادة حيفا في الاستعراض الضخم لجميع نجادة فلسطين والذي أقيم في يافا في ربيع 1946. وذكر لي الزميل جمال الحاج خليل، الذي كان أيضا سكرتيرا لمنطقة حيفا للاتحاد الرياضي الفلسطيني، أن نجادة حيفا بدأوا بالتدريب على السلاح في “الطيرة” ثم في قرية “عجة” وأنه انفجر لغم هناك أثناء التدريب وقال لي أن “وجيه المدني” الذي أصبح فيما بعد قائدا لجيش التحرير الفلسطيني كان من بين الأعضاء البارزين في النجادة في حيفا وهو الذي كان يدرب النجادة على السلاح وكان هو حامل علم النجادة ورفض أمر حكومة الانتداب بترك النجادة. والمعروف أن حكومة فلسطين أصدرت أمرا لموظفيها بعدم الاشتراك في النجادة. وذكر لي “رشاد عرفة” أنه تلقى انذاراً من (عبد اللطيف الطيباوي) مفتش معارف الجنوب بسب اشتراكه في النجادة وذلك عندما كان مدرسا في مدرسة المنشية بيافا.

وقال لي جمال أيضا “أن نجادة حيفا استعانوا بالضابطين فريد وسامي من الأردن لتدريبهم على السلاح وقائدهما هو محمد الحمد الحنيطي”. وأردف جمال قائلا “إن نجادة حيفا كانت تقوم باستعراضات في المدينة وكان من بين قادتها محمد بشير قدورة”. وذكر لي أيضا أن النجادة من جميع أنحاء فلسطين اشتركوا مع نجادة يافا وحيفا في الاستعراض الكبير الذي جرى في يافا عام 1946، وقال أنه بكى يوم الاستعراض المذكور وقال “الحمد لله الآن صار عندنا جيش!”

النجادة في المدن والقرى الأخرى

وعن نجادة صفد ذكر لي الصديقان محمود سعد الدين وحسام سويد أنه كان من قادتها فوزي محمد سويد ومحمد الخضرا ورمزي أحمد سعد الدين وحسني سويد وخالد قدورة. وقالا أنه كان للنجادة في صفد نشاط كبير، وشكلت فرعا لها في الحولة برئاسة فوزي محمد سويد لمقاومة بيع الأراضي لليهود حيث استطاعوا أن يوقفوا كامل الحسين عند حده وهو الذي اتهم بالتعاون مع اليهود آنذاك. وأضاف الصديقان قائلين إن رمزي سعد الدين هو الذي اتصل بأعضاء نادي صلاح الدين الصفدي وأقنعهم بالالتحاق بالنجادة. وذكرا لي أيضا أن فرقة نجادة صفد شاركت مع فرق المدن الفلسطينية الأخرى في استعراض أقيم في دمشق عام 1946 بمناسبة استقلال سوريا. وإنه بعد حل منظمة النجادة رسميا بقي شبابها متحمسين للفكرة وشاركوا في قيادة الحركة الوطنية والجهاد بعد قرار التقسيم.

وكانت غزة من أوائل المدن الفلسطينية التي أنشأت فريقا للنجادة فيها. وكان شباب نادي غزة الرياضي من أوائل أعضاء فرقة النجادة التي كانت بقيادة كاظم بسيسو ومحمد سليم فروانة. وأقيم في غزة استعراض كبير شاركت فيه نجادة غزة ويافا وفرق النجادة الأخرى.

وفي الرملة انتشرت حركة النجادة بقيادة أحمد مصطفى الخيري كما ذكر لي علي حسن أحد أعضائها وشاركت فرقة نجادة الرملة في استعراض يافا عام 1946 الذي نصبت فيه الخيام لمبيت أفراد النجادة القادمين من المدن الأخرى الزائرة وقد جهز تلك الخيام قائد منطقة الرملة أحمد الخيري.

وفي نابلس، كان من النجادة البارزين حكمت المصري ورفعت عوايص وفيصل النابلسي الذي انفصل من النجادة وانضم فيما بعد للفتوة.

وفي قلقيلية، تولى قيادة النجادة محمود عبد الفتاح الحسن.

وفي بيت حنيتا أنشأ شباب النادي العربي فرقة للنجادة شاركت في استعراضات النجادة في المدن الفلسطينية المختلفة كما شاركت في تلك الاستعراضات فرق النجادة التي تألفت في القدس وفي الناصرة وبئرالسبع وترشيحا والبصة وسلمة والمزيرعة وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية في الشمال والجنوب. ومن أهم الاستعراضات الأخرى للنجادة الاستعراض الكبير الذي أقيم في مدينة عكا واشترك فيه نحو 2500 نجاد وبالإضافة إلى ما سبق شاركت النجادة عام 46 برحلة رسمية إلى القاهرة وخصصت لفرق النجادة الفلسطينية هناك خيام نصبت في أحد معسكرات الجيش البريطاني السابقة في القاهرة.

كما شاركت النجادة في مهرجانات الشعلة التي أقيمت في القاهرة عام 1947 وتم ذلك بموجب أمر وجه للنجادة وللفتوة صدر من الهيئة العربية العليا.

مقران للنجادة في يافا

بعد انتشار حركة النجادة في فلسطين بتعاون واشراف القيادة العامة للنجادة التي كان مقرها عمارة بيبي في يافا كما سبق أن ذكرنا ولضيق المكان كان لابد لنجادة يافا أن تتخذ مقرا مستقلا لها على أن تبقى القيادة العامة للنجادة في بناية “بيبي” وتم ذلك بعد استعراض اعلان قيام النجادة المشار إليه سابقاً.

وكانـت قيـادة منطقة يافـا تتألف مـن عبد الغني الهباب ورفيق السعيد وخليل الشاعر وعمر عبد الرحيم. واتخذت هذه القيادة مقراً مستقلاً لها في شارع أبو الجبين الذي يقع في أول شارع المحطة بمحلة الرشيد بيافا. وهكذا أصبح في يافا مقران لمنظمة النجادة الأول للقيادة العامة التي تشرف على حركة النجادة في كافة أنحاء فلسطين والثاني لقيادة نجادة منطقة يافا.

أهداف النجادة

أورد فيما يلي بعضاً من أهداف النجادة كما نشرتها في بياناتها وأوردتها في رسائلها المختلفة:

– النجادة نظام شبه عسكري هدفها توحيد صفوف عرب فلسطين والعمل على النهوض بهم خلقياً وعلمياً ورياضياً.

–  غاية النجادة الحصول على حقوق الأمة والبلاد بالطرق الفعالة.. لا هتاف ولا تصفيق ولا دعاء ولا تهويش بل بالتركيز والتنظيم والتدريب على أسس علمية عصرية ثورية بعيدة عن الارتجال والفوضى.

–  أعلنت النجادة ولاءها لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني رئيسا وولاءها للعروبة.

–  من أهداف النجادة المعلنة جمع كلمة الشباب وتوحيد صفوفهم وإيقاظ الوعي القومي بينهم.

–  أعلنت النجادة أنها تحرم العصبية القطرية والإقليمية والدينية والعائلية والحزبية.

–  كان الهدف الرئيسي للنجادة تدريب الشباب عسكرياً وجمع صفوفهم، ولكنها أخفت هذا الهدف عند تشكيلها وأعلنت الأهداف السابقة حتى تحصل على موافقة حكومة الانتداب.

ملاحظة: ما ذكر أعلاه مأخوذ من كتاب “القيادات والمؤسسات السياسية ” لبيان الحوت، نقلاً عن الوثائق التي كانت محفوظة في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت.

أنظمة النجادة وقانونها

–  منظمة النجادة الفلسطينية منظمة شبه عسكرية أقامها الشعب الفلسطيني في أعقاب الحرب العالمية الثانية لمواجهة الأخطار الصهيونية وصدر قانونها الذي اعترفت به حكومة الانتداب في شهر تشرين الأول ـ أكتوبر عام 1945.

–  انتشرت حركة النجادة في معظم المدن والقرى الفلسطينية، واتخذت زياً شبه عسكري واتخذت عدة شارات للرأس والصدر والحزام.

–  كان في كل مدينة أو قرية فيها نجادة فوج أو أكثر من أفواج النجادة.

–  تضم المنطقة عدداً من الأفواج لكل منها قائد ولكل منطقة آمر فوج.

–  الفوج يضم فرقة أو أكثر وعدد أفراد الفرقة 24 شخصا.

–   لكل فرقة علم خاص عليه سمة النجادة ويحمل اسم أحد رجالات العرب.

–  لكل فوج ضباط وهيئة عسكرية.

–  يتألف المجلس الأعلى للنجادة من 12 شخصا برئاسة القائد العام.

–  يقوم المجلس الأعلى بانتخاب لجنة تنفيذية مؤلفة من القائد العام والسكرتير العام، وأمين الصندوق العام.

–  أعضاء اللجنة التنفيذية وقواد المناطق يشكلون المجلس الأعلى للنجادة.

–  مدة عمل اللجنة التنفيذية بما فيها القائد العام سنتان قابلة للتجديد.

شعارات النجادة

اتخذت منظمة النجادة عدة شعارات منها:

–    بلاد العرب للعرب.

–    تحيا فلسطين عربية.

–    عاشت المنظمة وعاش رئيسها الأعلى الحاج أمين الحسيني.

وكان الشعار المكتوب على بطاقة هوية النجادة هو:

على الجماجم نبني كل مملكة

                           وهذي جماجمنا تهدى إلى العرب

نشيد النجادة

اتخذت منظمة النجادة الفلسطينية من نشيد النجادة اللبنانية نشيدا لها وهو من تأليف الشاعر اللبناني محمد يوسف حمود، وفيما يلي نصه:

نجــاد يـا وجـه العـلا

نجاد يا وجه العلا                 وخفقة العلم

كن للبلاد الأمل                    والسيف والقلم

في حالكات النوب                 لا تهب

واهتف بلاد العرب               للعرب

بلادي سنمشي ولسنا نهاب       ونزحف في الحالكات الصعاب

تميد الجبال بنا                     والهضاب

وعدتنا سيفنا والكتاب             ونور الشيوخ ونار الشباب

نجــاد يـا وجـه العـلا

بلادي بلاد الشباب الأبي         إذا انتابك الشر من أجنبي

فنجادك الفارس اليعربي          يثرها مدى المشرق والمغرب

فـدى وجهـك الأبيض الطيـب

نجــاد يـا وجـه العـلا

أنشطة منظمة النجادة

حاولت منظمة النجادة في عمرها القصير الذي لم يزد عن سنتين أو ثلاث سنوات (1944-1946) حاولت أن تحقق الهدف من إنشائها وهو تجميع الشباب الفلسطيني واعدادهم عسكريا وتنظيمياً لمواجهة الأخطار الصهيونية. وقد لجأت النجادة إلى أساليب عديدة لتحقيق أهدافها أهمها التدريب العسكري. ووسط الأجواء الفلسطينية المضطربة التي كانت سائدة آنذاك ورغماً عن وجود قانون الطوارئ في البلاد والذي كان يمنع حمل السلاح والتدريب عليه، فقد حاولت النجادة تدريب أعضائها في مختلف المدن والقرى الفلسطينية. وكان التدريب أولاً تدريباً رياضياً ثم تطور إلى تدريب شبه عسكري وأخيراً بدأ التدريب على السلاح. وقام بالتدريب في يافا أولاً صلاح الحاج مير وبشير القيشاوي المدرب العام، وفي حيفا وجيه المدني وبعض الضباط من الأردن كما كان التدريب يتم سراً في بقية المدن والقرى الفلسطينية باشراف رجال النجادة الذين سبق أن عملوا في البوليس الفلسطيني أو كانوا مع الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية وفضلاً عن ذلك كانت المخيمات والاستعراضات وسيلة لجمع الشباب ونشر فكرة النجادة والدعاية لها. وكان لنجادة يافا وبعض المدن الأخرى فرق موسيقية تتقدم الاستعراض. وقد أقامـت نجادة يافا مخيمات لها أثناء موسمي النبي روبين في صيف عامي 45 و 46. كما أقامت استعراضها الأول لاعلان تأسيسها في شهر أيار مايو من عام 45 واشتركت معها فرق نجادة المدن والقرى الفلسطينية الأخرى في الاستعراض الضخم الثاني الذي أقيم في يافا في ربيع 46 واشترك فيه نحو ثلاثة آلاف نجاد. كما شاركت النجادة في استعراض ضخم أقيم في عكا وآخر في غزة وثالث في حيفا وعند اعلان استقلال سوريا عام 1946 ذهبت أعداد كبيرة من النجادة الفلسطينية من مختلف المدن وشاركت في احتفالات دمشق بتلك المناسبة.

وقامت نجادة يافا بزيارة رسمية إلى مصر بقيادة الهواري ورشاد الدباغ عام 1946 ويذكر أن يوسف بامية صاحب كراج سيارات يافا – غزة هو الذي قدم لهم السيارات التي نقلتهم من يافا إلى القاهرة وقد استقبلوا هناك استقبالا رسميا ونصبت لهم الخيام في أحد المعسكرات التي كانت للجيش البريطاني هناك.

ومن الجدير بالذكر أن منظمة النجادة الفلسطينية ومنظمة الفتوة التي تشكلت بعدها شاركتا مجتمعتين في مهرجان الشعلة الذي أقيم في القاهرة ذلك المهرجان الذي اشتركت فيه فرق شعبية وشبابية من مختلف الأقطار العربية وذلك في شهر شباط – فبراير عام 1947 وتم ذلك بأمر من الهيئة العربية العليا في فلسطين.

ولابد أن نذكر هنا أن منظمة النجادة كانت تعتمد على نفسها ماليا ولم تتلق أي دعم أو معونة من الهيئة العربية العليا أو غيرها. ولم يكن أمامها لتغطية نفقاتها إلا اشتراكات الأعضاء وبعض التبرعات المحدودة من مشجعيها.

تأسيس منظمة الفتوة

على أثر مهرجان النجادة الضخم الذي أقيم في يافا في ربيع عام 46 والذي ظهرت فيه قوة منظمة النجادة بعد أن انتشرت في كافة القرى والمدن الفلسطينية وأصبح عدد أعضائها يزيد عن خمسة آلاف، رأى جمال الحسيني رئيس الحزب العربي الفلسطيني أنه من الضروري أن يستحوذ على تلك المنظمة ويضمها إلى الحزب العربي. ولكن منظمة النجادة لم توافق على ذلك. إذ أن المنظمة كما ذكرنا كانت قد نشأت في يافا التي لم تكن من معاقل الحزب العربي مع أنها كانت رائدة في الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد أعلن مؤسسو المنظمة أنها مستقلة لا حزبية ولا طائفية ولا عائلية كما دلت على ذلك شعاراتها المنشورة. ويروي الصديق رشاد عرفة قصة لقاء النجادة مع جمال الحسيني فيقول انه بعد أن تم إعداد قانون النجادة أرسلت النجادة وفداً عنها إلى جمال الحسيني في رام الله من أجل الحصول على الدعم والتأييد. وتألف الوفد من رشاد الدباغ السكرتير العام للنجادة وعمر عبد الرحيم أحد أعضائها والذي اختير لأن عمه محمد عبد الرحيم كان من أركان الحزب العربي في يافا. وقام الوفد بعرض القانون الجديد على الزعيم الفلسطيني طالبين مباركته له.. وبعد أن تصفح جمال القانون قال لهما “أنا مستعد لكل شئ.. الله يوفقكم بشرط أن تكتبوا في القانون أن النجادة تتبع الحزب العربي الفلسطيني…!” ولما عرض الوفد على قيادته تلك الفكرة رفضتها القيادة.

وبعد ذلك بأيام قليلة أسس جمال الحسيني منظمة الفتوة في القدس وأتبعها للحزب العربي وأسند قيادتها إلى كامل عريقات الذي كان ضابطاً سابقاً في البوليس الفلسطيني وكان ذلك في أواخر شهر تشرين الأول – أكتوبر – عام 1946.

ويمكن اعتبار هذه الخطوة السبب الرئيسي في بداية اضمحلال ثم زوال حركة النجادة. إذ أن منظمة الفتوة التي أصبحت منافساً رئيسياً للنجادة بدأت مدعومة من الحزب العربي الفلسطيني وكان أقوى حزب في البلاد، بل كان في كثير من الأحيان يسمى حزب “المفتي” الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا. وبدأت منظمة الفتوة بعد تأسيسها بفتح فروع لها في البلاد.

التناحر بين النجادة والفتوة

وفي يافا اتخذت الفتوة مقراً لها في بناية السراي وسط المدينة متحدية النجادة في معقلها. وكدلك فعلت في مدن وقرى عديدة، فأصبح يشاهد في كل منها مقر جديد للفتوة يقابل مقراً قديماً للنجادة. وبلغ عدد أعضاء منظمة الفتوة خلال فترة وجيزة 3500 فرداً. وأصدرت المنظمة في أول عام 47 قانوناً لا يختلف بنصوصه عن قانون النجادة إلا فيما يتعلق بانتخاب القائد ومدة تسلمه القيادة. إذ نص ذلك القانون على أن يبقى القائد في عمله مادام يتمتع بثقة رئيس الحزب العربي بينما كان قانون النجادة يحدد مدة رئاسة القائد بسنتين.

هذا وبعد إنشاء منظمة الفتوة بدأ الكثيرون من أعضاء منظمة النجادة بالانسحاب منها والانضمام للفتوة خصوصا بعد أن راجت إشاعات مؤداها أن النجادة تابعة للمعارضين والفتوة تابعة للمفتي. ورغم تأكيد النجادة في مناسبات عديدة، وبيانات متعاقبة أن مفتي فلسطين هو رئيسها الأعلى وأنها لا تهتف إلا له، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لوقف الاندفاع نحو الفتوة والانصراف عن النجادة. وبدأ التنافس غير الشريف يشتد بين المنظمتين في كل مكان. وتسابقت المنظمتان في الصرف على المظاهر والدعاية ومحاولة جذب الأعضاء، وحصلت بعض الاصطدامات فيما بينهما منها اصطدام حصل في سينما الحمراء بيافا عند زيارة جمال الحسيني للمدينة لدعم الفتوة واستمر الخلاف بين المنظمتين فقل الاقبال عليهما معاً وبذلك ضعفت مالية منظمة النجادة التي كانت تعتمد على اشتراكات الأعضاء فضلاً عن أنها ضعفت أصلاً بما صرفته على المظاهر والدعاية الفارغة لتنافس الفتوة. ويقول جمال الحاج خليل في مذكراته التي أشرنا إليها قبلاً أن يونس نقاع قائد نجادة حيفا وكان من المقربين من المفتي، ذهب إلى القاهرة في شتاء 46-47 بعد احتدام الخلاف بين النجادة والفتوة وتزايد الاشاعات بأن الفتوة تابعة للمفتى بينما النجادة لم تكن تابعة له. وفي القاهرة قابل نفاع المفتي الحاج أمين فاقتنع المفتي بأن النجادة لم تكن معارضـة له ولكن في نفس الوقت شعر المفتي بخطورة استمرار الخلاف والتنافس بين هاتين المنظمتين فأصدر أمراً بتشكيل لجنة لتوحيد المنظمتين برئاسة رفيق التميمي وعضوية اميل الغوري وهما من الحزب العربي على أن يكون الهواري قائـد النجادة هـو العضو الثالث فـي اللجنة. وقدم التميمي بعد ذلك تقريراً إلى المفتي في 3/2/47 جاء فيه أنه يتعذر دمج المنظمتين في منظمة واحدة لأسباب مالية وقانونية. أما السبب المالي فمفاده أن الدمج يتطلب الغاء الشعارات والأوسمة والنياشين والمطبوعات وغيرها للمنظمتين وعمل أوسمة ومطبوعات للمنظمة الجديدة وهذا يتطلب مبلغاً كبيراً. أما السبب القانوني فقد بينته منظمة النجادة قائلة أنه صدر في 24/3/46 قانون جديد في فلسطين يطلب من كل جمعية أو منظمة لها زي رسمي يطلب منها مراجعة دائرة الحاكم في مقرها والحصول على إذن منه بارتداء أعضائها لذلك الزي. وقالت النجادة أنها سبق أن امتنعت عن التقيد بذلك القانون على أساس أن قانونها سبق القانون المشار إليه وهو موافق عليه من حكومة الانتداب فإذا ما تألفت منظمة جديدة باسم آخر غير النجادة فعليها أن تتقيد بالقانون الجديد وهذا غير مناسب. لهذا اقترحت النجادة ان يبقى اسمها اسما للمنظمة الجديدة المقترحة. ولتعذر دمج المنظمتين للأسباب السابقة ولعدم صفاء النفوس كما قال التميمي في كتابه للمفتي فقد اقترح بقاء المنظمتين على حالهما على أن يكون قائداهما متصلين بالقيادة الفلسطينية عن طريق العضو المنتدب لتلقي التعليمات . لكن المفتي رفض ذلك الاقتراح وقرر توحيد المنظمتين المذكورتين في منظمة واحدة تحت اسم “منظمة الشباب العربي” وأرسل للنجادة كتاباً بهذا الشأن قال فيه “أنا قررت دمج المنظمتين في منظمة الشباب فإذا لم توافقوا على ذلك سأعلن أنكم خارجين عن الهيئة العليا وخونة”! وقال لي رشاد عرفة أنه على إثر تلقيهم ذلك الكتاب اجتمعت اللجنة التنفيذية للنجادة المكونة منه ومن الهواري ورشاد الدباغ اجتمعوا لبحث الأمر في مقر المنظمة الجديد في شارع أبو الجبين والذي سبق أن انتقلت إليه قيادة النجادة لضعف الإمكانيات. وعندما سألوه عن رأيه قال لهما: “إننا مديونون للناس بخمسمائة جنيه وليس في الصندوق إلا سبعة جنيهات ولذلك وبسبب حالة الضعف العام للنجادة وتهديد المفتي لنا لا يمكننا إلا الموافقة على الدمج” فبكى الهواري ورشاد وبكيت أنا ووافقنا …”

انشاء منظمة الشباب

وبعد موافقة منظمة النجادة وافقت منظمة الفتوة على الدمج وأصدرت قيادتا المنظمتين بيانا مشتركا بتوقيع الهواري وعريقات أعلنتا فيه الموافقة على اندماجهما في منظمة الشباب التي خصص المفتي لها ميزانية محدودة كما عين لقيادتها الضابط المصري المتقاعد الصاغ محمود لبيب الذي كان في السابق قائداً لجوالة الإخوان المسلمين في القاهرة. وقد حضر ذلك الضابط فعلاً إلى يافا بعد ذلك وأقام في فندق صغير قريب من فندق الكونتننتال في أول شارع النزهة واتخذ مقراً للمنظمة الجديدة وحاول جمع شباب المنظمتين وتدريبهم. وبقيت المنظمة الجديدة شهوراً قليلة دون فائدة تذكر، قامت بعدها حكومة الانتداب بابعاد محمود لبيب عن البلاد بعد أن عرفت مراميه.

وهكذا ماتت منظمة الشباب وماتت قبلها منظمة النجادة ومنظمة الفتوة أي أنه في بداية الأحداث بعد قرار التقسيم لم تكن أي منها موجودة في فلسطين.

كلمة أخيرة

وفي الحقيقة أن دمج النجادة والفتوة لم يكن إلا شكلياً إذ لم يندمج شبابهما فعلياً، كما أن المنظمة الجديدة لم تلق الدعم الكافي من الهيئة العربية العليا وخصوصاً مالياً فلم يتطور التدريب على السلاح وهو الهدف الأسمى لهما فضلاً عن ذلك فإن مظاهر الضعف كانت في الأصل بادية في المنظمتين للتنافس والتناحر الذي كان بينهما فقل انتساب الشباب إليهما معاً وانقطعت التبرعات لهما فضلاً عن اشتراكات الأعضاء. وإني أحمل القيادة الفلسطينية وخصوصاً جمال الحسيني مسؤولية فشل هذه التجربة الرائدة للشعب الفلسطيني إذ أنه وللأسف أنشأ منظمة الفتوة لأن منظمة النجادة رفضت إلا أن تكون هيئة مستقلة غير تابعة له ولحزبه!! يضاف إلى ذلك أن منظمة النجادة لم تلق أي دعم مادي أو معنوي من القيادة الفلسطينية في الأصل.

هذا وللتاريخ نذكر أن روح ومبادئ النجادة بقيت حية في نفوس شبابها إذ أنه على أثر قرار التقسيم اجتمعت بقايا النجادة في مكتب الهواري في يافا وألفوا فيما بينهم “مجلس الأمن” للدفاع عن المدينة واتخذوا مقراً لهم واستعانوا بما كان قد بقي للنجادة من أثاث ومهمات وسيارة واحدة وأسلحة قليلة وجمعوا بعض التبرعات من المواطنين وأرسلوا أحدهم وهو مصطفى أبو غبن إلى مصر لشراء السلاح. ولكنهم وجدوا فيما بعد أن تنظيمهم هذا يفتقد إلى الشرعية. ومـن أجل الحصول على دعم اللجنة القومية عـادوا لاتخاذ اسـم “منظمة الشباب” برئاسة عبد الرحمن السكسك وفتحوا باب التطوع للتدريب على السلاح في ملعب النادي الأرثوذكسي بيافا وهكذا نظموا أنفسهم للمساهمة في الدفاع عن المدينة … ولكن الامكانيات كانت قليلة وكان العدو أكثر تجهيزاً وتنظيماً فسقطت يافا عسكريا يوم 28/4/48 كما سقطت قبلها وبعدها مدن وقرى فلسطينية أخرى حاول شباب النجادة فيها أيضاً تنظيم أنفسهم والمساهمة في الدفاع عنها ولكنها سقطت وللأسف!!

محمد نمر الهواري – قائد النجادة

في نهاية هذا البحث، أضع أمام القارئ الكريم ما لدي من معلومات عن قائد منظمة النجادة في فلسطين المحامي محمد نمر الهواري الذي تضاربت الأقوال عنه بين من يتهمه بالخيانة وبين من يبرئ ساحته خصوصا بعد أن أصدر كتابه “سر النكبة” والذي تهجم فيه على الزعماء العرب واتهمهم ببيع فلسطين !!

الهواري في سطور

–  محمد نمر الهواري قائد النجادة من أهالي مدينة الناصرة وكان يسكن في مدينة يافا.

–  عمل الهواري في بداية شبابه معلما في فلسطين ثم درس الحقوق وتخرج محاميا من مدرسة الحقوق في القدس.

–  عرف عن الهواري أنه درس اللغة العربية “لجولدا مائير” رئيسة وزراء العدو الصهيوني.

–  بعد أن تخرج الهواري من مدرسة الحقوق في القدس عمل محاميا في مكتب المحامي سعيد زين الدين في يافا ثم انتقل للعمل في المحاكم فيها.

–  عندما أسس النادي الرياضي الإسلامي بيافا منظمة النجادة في عام 1944، انتسب الهواري إليها بعد أن قبل عضوا في النادي الإسلامي وفقا للنظام المتبع.

–  بعد استقلال منظمة النجادة عن النادي الإسلامي في أواخر عام 1944 أصبح الهواري من أعضاء النجادة البارزين.

–  كانت شخصية الهواري قوية وتميز بقدرته على القيادة والخطابة، فضلا عن خبرته القانونية.

–  ولتميز الهواري بالصفات المشار إليها، رأى مؤسسو حركة النجادة في يافا أن يتولى الهواري القيادة بغض النظر عن أنه لم يكن أصلاً من يافا وذلك لرغبتهم في توسيع الحركة ونشرها في كافة أنحاء فلسطين.

–  وهكذا انتخب الهواري عضوا في المجلس الأعلى للنجادة وفي لجنتها التنفيذية التي تألفت منه قائداً عاماً ومن رشاد الدباغ سكرتيراً عاماً ورشاد عرفة أمينا عاماً للصندوق.

–  أوكل المجلس الأعلى للنجادة للهواري وضع مشروع قانون النجادة وبعد موافقة المجلس عليه قدم لدائرة الحاكم في يافا فاعتمدته حكومة الانتداب في خريف عام 1945.

–  استمر الهواري في قيادة منظمة النجادة وزار عدة مدن وقرى فلسطينية لتوسيع المنظمة كما شارك في عدد من المهرجانات والاستعراضات التي كانت تشارك فيها النجادة داخل فلسطين وخارجها.

–  قاد الهواري منظمة النجادة في خلافها مع منظمة الفتوة التابعة للحزب العربي ثم أعلن باسم النجادة الموافقة على دمج المنظمتين في منظمة الشباب العربي بناء على أمر مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا.

–  بعد موت منظمة الشباب وكذلك منظمتي النجادة والفتوة ، حاول الهواري بعد صدور قرار التقسيم المشاركة في الدفاع عن مدينة يافا وذلك بالتعاون مع عدد من رجال النجادة السابقين.

–  غادر الهواري مدينة يافا قبل سقوطها عسكريا في 28/4/1948 ولجأ إلى الضفة الغربية حيث عمل مسؤولاً عن أحد مخيمات اللاجئين فيها.

–  في عام 1950 غادر الهواري إلى لبنان ومن هناك توجه إلى لوزان واختلف مع الوفد الفلسطيني الذي شارك في اجتماعات لجنة التوفيق هناك.

–  وبعد ذلك عاد الهواري إلى مدينته الناصرة وهناك عين قاضيا في محكمة الناصرة وأصدر كتابه “سر النكبة” الذي نشرته مطبعة الحكيم في الناصرة عام 1955 والذي انتقد فيه الزعامات الفلسطينية والعربية وحملها مسؤولية ضياع فلسطين، واتهم بعد ذلك بالخيانة. وتوفي الهواري في الناصرة بعد ذلك!

– اتهم الهواري بأنه قابل اليهود بعد قرار التقسيم. وأكد لي الصديق رشاد عرفة هذه الواقعة وقال لي أن الهواري قابل زعيماً يهودياً قد يكون مناحيم بيغين أو أحد معاونيه وذلك قبل سقوط يافا. وتمت المقابلة في منزل يقع بين شاطئ الشباب في يافا ومستعمرة رامات غان – “بيت يام”– وقال لي رشاد إن فوزي الشنطي أحد قدامى النجادة هو الذي نقل الهواري بسيارته إلى تلك المقابلة وقال رشاد إنه غير متأكد مما جرى في تلك المقابلة ولكنها كانت على الغالب من أجل ايقاف تبادل قنابل الراجمات بين يافا وتل أبيب. إذ أن الهواري كان يقول أن اليهود أقوى منّا.

–  قال لي رشاد عرفة أيضاً إن الهواري كان يقول له دائماً “العرب باعونا يا رشاد” … وستسقط المدن الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى وستسقط مدينة طبريا أولاً ثم مدينة حيفا ثم مدينة يافا!؟

–  من المعروف أن اليهود كانوا يهددون الهواري في صحفهم وفي اذاعتهم.

–  وكان الهواري دائماً ينفي التهم الموجهة إليه من الفلسطينيين والعرب وقال إنه خرج من يافا “شحاد”!

الملحق الثالث – مدارس منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت